[center] السعيد والمحروم فى رمضان
العشر الأواخر من رمضان
هى أيام الحصاد ، ويظهر فيها السعيد من العباد ، الذى أطاع ربه وحقق من
صيامه التقوى ، فصفا قلبه وطهرت نفسه وحسن خلقه ، وجدد العهد مع الله
بالتوبة والندم ، وعزم على مزيد من الطاعة وصلة الرحم ومودة ذى القربى
وبذل المال لإخوانه الفقراء .
ويحس المسلم بالسعادة
فى رمضان : إذا حقق من صيامه الصبر ، فجاهد نفسه نهارا بالصيام وليلاً
بالقيام وفيما بينهما بتلاوة القرآن ومدراسة العلم وأحسن مراقبة ربه فى
السر والعلانية ، والسعيد فى رمضان : من صام بقلبه وجوارحه وسعى إلى مرضاة
ربه وغرس الطاعة بيده فجنا ثمرة الصيام : غفران الذنوب وتكفير السيئات ،
يقول (e) الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما أجتنبت الكبائر " .
والسعيد فى رمضان كل من يعي حديث رسول الله عن فضائل الصيام وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات والذى يقول فيه (e) " إن الله ينظر إلى تنافسكم فيه فأروا الله فى أنفسكم خيرا ، فغن الشقى من حرم " .
كما أن هناك سعيد فى
رمضان فهناك محروم فى رمضان ، ذلك الذى لم يحقق فى نفسه ثمرة الصيام وهى
التقوى ، ولم ينته عن سوء الخلق أو فاحش القول ، أو الكذب والزور ،
والحماقة والانفعال ، والغضب لأتفه الأسباب .
والمحروم فى رمضان : من لم يراقب ربه ، أو حرم نفسه من الفضائل : فلم يبر والديه ، ولم يصل رحمه ، ولم يبذل مال للفقراء وهو قادر .
والمحروم أيضاً من
أفرط فى الطعام والشراب فنام عن العبادة وقيام الليل ، وفرط فى نفحات
رمضان ولم يستفد من موسم الدعاء ، وسيطرت عليه الأنانية وحب الذات فلم
يتضامن أو يتعاون مع إخوانه المسلمين الذين هم فى حاجة إلى عونه وبذله ،
وشفقته وعطفه .
والمحروم فى رمضان : من صام ظاهراً ولم تصم جوارحه عن الحرام ، ونسب كل حماقة أو طيش للصيام .
والمحروم من أدرك رمضان وتم ولم يحصّل فيه مغفرة لذنوبه أو تكفيراً لسيئاته ، وحرم نفسه من لذة العبادة ، وتلاوة القرآن .
والمحروم من أفطر بغير
عذر وهو قادر على الصيام ، أو قضى النهار نائماً والليل ساهراً وعابثاً ،
أو قعد عن العمل وركن إلى البطالة والكسل " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب " .
إن فضائل شهر رمضان
عظيمة ، ولكن الفرق كبير بين رمضان بالأمس ورمضان اليوم : إن أسلافنا :
حصلوا فضائل هذا الشهر العظيم باغتنام أيامه ولياليه فى تهذيب النفس وحسن
الخلق وطاعة المولى عز وجل والتماس ليلة القدر فى العشر الأواخر منه ،
اقتداء برسول الله (e) وبالمحافظة
على أداء زكاة الفطر إغناء للفقراء عن ذل السؤال ، وقتلاً لشح النفس
وبخلها بنعم الله على مستحقيها ، وينتهى رمضان وهم أقوى صلة بالله وأوثق
إيمانا ويقينا بما عند الله ، وأكثر التزاماً بما سار عليه رسول الله (e) .
إن أسلافنا جنوا ثمرة
الصيام فكان وقتهم عبادة وطاعة ، وعملاً وإنتاجا ، جعلوا رمضان للقلب
والروح وجعلناه للبطن والمعدة ، جعلوه للسكينة والوقار ، وجعلناه للسباب
والشجار ، جعلوه لتغيير صفات النفس ، ولم نغير نحن فيه إلا مواعيد الطعام
، جعلوه للفقير والمحروم ، وجعلناه للتخمة وفنون الطعام ، جعلوه غذاء
للروح بتلاوة القرآن وجعلناه غذاء للجسد ومدعاة للنوم والكسل .
فمتى نصوم الصوم الذى
تسعد به نفوسنا ، ونرضى به ربنا ؟ متى نجاهد به أنفسنا لتقوى أرواحنا ،
وتسخو أيدينا ، وتقوى إرادتنا وتتهذب أخلاقنا ويصل به إلى كمال العبودية
لله رب العالمين ؟
[/center]